كيف وُجد الوجود ؟

كيف وُجد الوجود ؟



احتمالات وجود الوجود "المادة أو الكون" لا يمكن إلا أن تكون واحدة من ثلاث هي :
1. أنه الكون نفسه قديم وأزلي ... فبدلا من وصف الخالق بهذه الصفة نفترض أنها صفة للكون نفسه.
2. أن الكون أوجد نفسه بنفسه.
3. أن الكون قد أوجده الخالق.

1. الافتراض الأول : ثبت بطلانه علميا بــالقانون الثاني من علم الديناميكة الحرارية Thermodynamics والمعروف ب انتروبي Entropy ، حيث لو أن الكون بتركيبته المعروفة أزلي لوصل معدل الانتروبي لأقصى قيمة ممكنة فيحدث ما يسمى الموت الحراري Heat Death. وهو ما لم يحدث بعد، ولكنه حتمي الحدوث في المستقبل.

الانتروبي هو كمية التغير أو التحول تلقائيا المستمرة لأي نظام مغلق حتى يصل إلى حالة توزيع متساو في جميع أجزائه، مثل تساوي درجة الحرارة والضغط والكثافة، وعندها يتوقف التفاعل تماما، فالتفاعل يلزمه تباين في الخصائص.

فالتفاعل الكيميائي بين عنصرين مثلا يعني أن أحد العناصر يمتلك إلكترون يزيد من شحنته السالبة ولكي يتوازن كهربائيا يمنح عنصر آخر شحنته الموجبة تزيد عن السالبة فيأخذ العنصر الثاني الاليكترون الزائد عن العنصر الأول لتتعادل شحنة كليهما .... وهكذا. فإذا تعادلت كل العناصر توقفت التفاعلات واصبحت كلها عناصر خاملة.

حدث التفاعل لزيادة طاقة كهربائية سالبة تمنع العنصر الأول من الاستقرار أو التوازن، ويحتاجها عنصر آخر ليعادل طاقته الموجبة الزائدة بنفس المقدار السالب عن العنصر الأول. فكل العناصر للكون تبحث عن التوازن والاستقرار الكيميائي والفيزيائي تلقائيا.

مثال آخر للتوضيح : عند وضع كمية من سائل معين درجة حرارته 20 درجة في إناء درجة حرارته 100 درجة ثم غلقه، فسيحدث تبادل حراري فورا لزيادة الانتروبي والوصول بكل من العنصرين للدرجة التي يتوقف عندها التبادل الحراري وهي 60 درجة لكل من السائل والإناء.

فما يحدث هو توزيع اجمالي الطاقة الحرارية للنظام على العناصر الموجودة لتصبح الطاقة الحرارية متساوية في كل نقطة داخل النظام.


فتخيّل الكون أزلي يعني أنه يجب أن يكون ميت منذ زمن بعيد وهو ما لم يحدث بعد، فما سيحدث عند موته هو توقف كل التفاعلات بكل انواعها نتيجة تساوي أو توازن كل الخصائص الفيزيائية "الحرارة والضغط والكثافة والطاقة بكل انواعها كهربائية ومغناطيسية وميكانيكية ....... الخ".

- الثابت علميا أن للكون نقطة نهاية حتمية الحدوث.

لذلك فهذا الافتراض علميا ثبت أنه غير محتمل تماما لكن للأسف هناك من لا يزال يجادل فيه.

2. الافتراض الثاني :

الكثيرون يظنون أن العلم يدعم هذا الاحتمال بسبب نظرية الانفجار العظيم Big bang theory استشهادا بمبدأ من مبادئ النظرية وهو singularity principle ، حيث أن نشوء المادة أو الكون كما نعرفه انفرد بحالة فريدة لم تشترط وجود المكان أو الزمان أو الكتلة حيث نشأ الكون. والحقيقة أن هذا الكلام غير ثابت علميا بالمرة ولكن افترضه العلماء الغير مؤمنين فقط لتبرير وجود الكون. ويوجد عدد من العلماء الغير مؤمنين بالله أكدوا أن وجود الكون يلزمه وجود مسبق للقوانين الفيزيائية لكي يصبح موجود فيزيائيا، وهو من المفترض شيئاً حتما منطقيا ولا يمكن تصور غيره. ومن أمثلة هؤلاء عالم الفيزياء والرياضيات بول ديفيس Paul Davies في كتاب عقل الإله The Mind of God كتب

If the divine underpinning of the laws is removed, their existence becomes a deep mystery

فأي تفسير للقوانين الفيزيائية والوجود الفيزيائي (زمان ومكان وكتلة) بأنه مُنشئ لنفسه هو افتراض غير مبني على أساس علمي، ولكنه فقط كلام علماء يفترضون. ولا يعني أنهم علماء أن كل ما يقولونه علمي.

فالقائل بأن الملحدين لا يؤمنون بالغيب ويتمسكون فقط بكل ما هو علمي كلامي غير صحيح. فالعلم لم يقدم أي أدلة على كيفية نشوء المادة وهو من أعقد الألغاز العلمية على مر التاريخ، والحقيقة أن العلم بأدواته يعجز عن البحث فيما وراء المكان والزمان، ومن يظن أن الأدوات العلمية قد تمكنه بالبحث خارج هذا الإطار فهو وبكل تأكيد لا يعي ماهية البحث العلمي وأدواته.

وهناك ملحوظة جديرة بالذكر وهي أن الأب الروحي لنظرية الانفجار الكبير هو جورج لوماتر George Lemaitre قس مسيحي بلجيكي الأصل، ولم يفهم من نظريته أن يلحد أو أن يترك دينه.

أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ... أي كانتا شيئا واحدا فانفصلا كما تحكي نظرية الانفجار العظيم

- الثابت علميا أن الكون له نقطة بداية حدثت منذ 13.7 مليار سنة. "ثابت بالأدلة"

بما أن الاحتمالين الأول والثاني ثبت بطلانهما فمن المفترض أن يكون الافتراض الثالث هو الاختيار الوحيد لاستبعاد الفرضيتين الأولى والثانية ولعدم وجود احتمالات أخرى، ولكن مناقشته ضرورية لاختيار الدين والتعرف على الخالق.

3. الافتراض الثالث :

أن لهذا الوجود مُوجِد أو خالق. أي أن ثمة سبب أولي Prime Cause هو سبب وجود كل شئ.

وقد يبدو ظاهرا أن القول بوجود خالق يشبه القول بــ singularity .. وأن لابد من أدلة لترجيح أحد الافتراضين "بافتراض أن الفرضية الثاية مازالت قائمة ومن الممكن أن تتغير مستقبلا بتقدم العلم ومعرفة المزيد عن أسرار الكون".

وعلى الرغم أنني أجد ذلك سببا غير معقول بأن أتمسك بفرضية ما ظنا بأن اجابة ما ستظهر مستقبلا لدعم هذه الفرضية، إنما يعني إيمان - يقين وتأكد - بما هو ظني بحت ولا يمكن أن يكون أساس بحث انسان منطقي، ولكن الحقيقة أن كل من يتمسكون بالافتراض الثاني، انما هم ملحدون لأسباب في نفوسهم بأنهم يريدون أن يكونوا ملحدين، ولا أرى المناقشة معهم إلا عبثًا.

- مشكلة التشبيه بين الافتراض الثاني والثالث :

اذا كنا قد أثبتنا علميا بأن لكل وجود نقطة بداية حتمية ونقطة نهاية حتمية. قانون فيزيائي "أن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من عدم"، فلماذا لا ينطبق ذلك على الخالق. فنقطة النهاية هي ثبات قيم الزمان والمكان - أي توقف كامل لكل التفاعلات والحركة وغيره - مع الثبات المطلق للكتلة منذ البداية.

لماذا لا ينطبق على الخالق كل ما ينطبق على المادة ؟ أو كما يقول ريتشارد دوكينز " اذا كان كل شئ يحتاج لخالق، فماذا عن الخالق ؟ من خلق الخالق ؟ "

من قال أن الخالق شئ ؟ أو مثل أي شئ كما نعرف الاشياء ؟ فإذا كنت ستبدأ البحث بافتراضات ترفعها مكانة اليقين فلماذا البحث من الاساس ؟

الزمان والمكان والكتلة كأساسيات للوجود الفيزيائي واقترانهم وتلازمهم ببعض بحيث يستحيل انفصال أحدهم - وقد ثبت علميا أنه لا يوجد ما يسمى بالفراغ المطلق أي لا يوجد أي حيز من المكان ليس له كتلة كما أن المكان لا ينفصل عن الزمان والتعبير العلمي لهذا المصطلح هو space-time continuous - هي كلها مخلوقات نشأت بنشوء المادة أو الخلق وهي المعنى للوجود الذي نفهمه، لكنها ليست من خصائص الخالق نفسه، فجود الخالق ليس كما نعرف نحن الوجود، فهو يتنزه سبحانه وتعالى عن ذلك فليس له حيز من المكان أو الزمان يحتويه وليس له كتلة ثايتة كما نعرف المادة، فأي قياس بين المادة والخالق هو فاسد من الأساس.

فهل قال عن نفسه أنه كمثل أي شئ ؟ بل العكس تماما ... ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )

ومن أين لي بهذا اليقين بأنه ليس كأي شيئ ؟ هل يُستدل على صدق الشئ من نفسه ؟


لا، لا يُستدل على صدق المصدر من نفسه، ولكن إن كنت تبحث فعلا عن الحقيقة فلتبحث، وعندما تجد آية على سبيل المثال وليس الحصر (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ... ) وأنه ثابت علميا بأن الحديد لم يكن عنصر أساسي في تكوين الأرض فطاقه الارض وحرارتها غير قادرة علي تكوين ذرة حديد واحدة، وأنه أتى للأرض من مصادر خارجية مثل النيازك.
كيف ستفسر معرفة شخص يدعي أن خالق كل شئ يوحى إليه منذ 1400 سنة بهذه المعلومة أن الحديد أُنزل تنزيلا فلم يستخدم اللفظ "جعلنا الحديد" كما استخدمها مع الماء مثلا ؟


والأمثلة على صدق نبوته (صلى الله عليه وسلم) كثيرة لمن أراد أن يعرف، ولا يتسع المقام هنا لسرد الكثير منها.
اذا أردت البحث الحقيقة بصدق فستجدها

كما أن ثمة جوانب أخرى فلسفية تتنافى مع كل ما يعرفه البشر، بأن معنى ألا حياة بعد الموت ولا حساب على أفعالنا هو تساو غير معقول للبشر بأن المجرمين القتلة والمغتصبين سيتساوون مع البشر الصالحون.

هناك جوانب كثيرة ينبغي مناقشتها، ربما في وقت آخر.