"ما زال جبريل يوصيني بالجار حت ظننت أنه سيورثه"

وصايا الرسول بالجار
قال
صلي الله عليه وسلم "ما زال جبريل يوصيني بالجار حت ظننت أنه سيورثه" وقال
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره" ولقد جاءت الوصايا
النبوية الشريفة تحث علي الإحسان إلي الجار ومراعاة حقوقه وصدق رسول الله
صلي الله عليه وسلم حين قال (ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه) وفي دراسة
أجريت بمجلة البحوث الفقهية حول مكانة الجار في الإسلام أن حقوق الجوار من
الأمور التي كانت معظمة حتي في العصر الجاهلي، حيث كانوا يحافظون عليها،
ويوجبون فيها ما يوجب في القرابة. وفي ذلك قال زهير بن أبي سلمي (4):
فَلَم
أرَ مَعْشَرًا أسَروا هَدِيًّا ولم أَرَ جارَ بيتٍ يُسْتَبَاءُ وجارُ
البيتِ والرجلُ المُنادي أَمامَ الحَيِّ عَقْدُهُما سواءُوالهَدِيُّ هنا
بمعني الجار. يقال: هَدِيُّ بني فلان، أي: جارهم. وفي تفسير الأصمعي لهذا
البيت قال: هو الرجل الذي له حرمة كحرمة هدي البيت. ويُستباء، من البواء،
أي: القَوَد، أي: أتاهم يستجير بهم فقتلوه برجل منهم (1). وفي تفسير ابن
السكيت: الهدي: ذو الحرمة. وقوله: يستباء أي: يتبوأ، تتخذ امرأته أهلاً
(2).
يقصد زهير أنه ما رأي قوماً يأسرون جاراً له حرمة، ويقتلون من
يستجير بهم أو يتخذون امرأته أهلا علي التفسيرين (3)، وهذا مايبرز لنا
مكانة الجار وحرمته عند العرب. وهذه الحرمة التي للجوار حرمة معقولة مشروعة
مروءةً وديانةً كما يقول القاضي أبوبكر بن العربي - رحمه الله - (4).
وانتشار
هذا الموضوع في الوقت الراهن له ما يفسره بسبب غفلة الناس عن هذا الأمر،
وكثرة المشاكل بين الجيران أدت بهم إلي التقاضي لحل النزاعات القائمة
بينهم(1). وإبراز مكانة الجار في الإسلام تهدف إلي التذكير بذلك وما يتعلق
به من جهة، وإبراز محاسن الشريعة الإسلامية الغراء، وأنها دين السلام
والطمأنينة، حيث يكفل للمسلم وغيره من أهل الذمة الذي يعيش في المجتمع
الإسلامي جميع الحقوق إلي جانب ضرورة التزامه بالواجبات، ويدخل في ذلك كل
من يجاور الأمة الإسلامية من دول لها معتقداتها المخالفة للإسلام.
ومن
خلال هذه الدراسة يتضح لنا البعد الإنساني للديانة الإسلامية التي تحرص علي
تحقيق روح المودة بين المسلمين بسبل شتي: بالترغيب في مرضاة الله عز وجل،
والترهيب من سوء العاقبة لمن يتجرأ علي عصيان الخالق والإفساد في الأرض وهو
مأمور بعمارتها، هذه العمارة التي لا تتصور مع وجود النفور بين الناس عامة
وبين الجيران خاصة، وسواء كان الجار من المسلمين أم أهل الكتاب، فإن صيانة
حقوقه واجبة دينيا لما ينتج منها من آثار تحث علي التعاون والتآزر، بينما
الإخلال بها يؤدي إلي النفور بين الناس ونقصان الإيمان والوقوع تحت طائلة
الوعيد.
والإساءة إلي الجيران مما عمت به البلوي. والحاكم النيسابوري في
عهده عد إثارة هذا الموضوع وتخريج ستة أحاديث في البر بالجار من باب
الحسبة لما أصبح الناس يعانون منه، إذ قال: ".هذه الأحاديث الستة طلبتها
وخرجتها في موضعها من هذا الكتاب احتساباً لما فيه الناس من الضيق، والله
يكشفها، وإن لم يكن من بينها حديث من شرط هذا الكتاب" (1). فإذا كان الأمر
كذلك في عهده، فإنه في عصرنا أكثر ضيقاً علي الناس، فتجد الجار لا يأبه
بجاره، وقد يتسبب طرف آخر في خلق الخصومات بينهما علي مستوي الأفراد
والجماعات في الوقت الذي نحن فيه في أشد الحالات حاجة إلي المحافظة علي
العلاقات الحميمة بين الناس عموماً والجيران خصوصاً، وبين الدول الإسلامية
عامة وبين المتجاورة منها بشكل أخص. ولنا في السنن الاجتماعية خير عبرة.
- حقوق الجار
الشيخ
فرحات المنجي الداعية الإسلامي المعروف والرئيس الأسبق للجنة الفتوي
بالأزهر يري أن الحل يكمن في العودة إلي توجيهات وآداب وأخلاقيات الإسلام
التي ألزمتنا بحقوق تجاه كل جيراننا وجاءت بمنظومة متكاملة من الحقوق
والواجبات المتبادلة بين الجيران، في العمل أو السكن أو الحقل أو غير ذلك
من أماكن التجمعات، وتتلخص هذه الحقوق في النقاط الآتية:
- كف الأذي عن
الجار: فهذا الحق من أعظم حقوق الجار، فالويل كل الويل لمن يلحق الأذي
بجاره، ويكفي هنا قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: والله لا يؤمن والله
لا يؤمن، والله لا يؤمن فسألوه: من هذا الذي يخرج من دائرة الإيمان؟ قال
عليه الصلاة والسلام الذي لا يأمن جاره بوائقه أي شروره، ولما قيل لرسول
الله صلي الله عليه وسلم: يا رسول الله: إن فلانة تصلي الليل، وتصوم
النهار، وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها قال: لا خير فيها هي في النار. وقال
أيضا: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه.
- تحمل أذي الجار:
فالإسلام وهو دين التسامح لا يقر أن ينتقم كل إنسان من جاره ويرد علي
إساءته بإساءة أشد منها، فلو شاعت روح الانتقام بين الناس لانتشرت كل أشكال
الإجرام بينهم، لكن التسامح والعفو والعتاب الرقيق تدفع الإنسان المسيء
إلي مراجعة نفسه، والاعتذار لمن أساء إليه وتحمل أذي الجار خلق إسلامي رفيع
وليس ضعفا كما يعتقد البعض، ولو التزم كل إنسان بهذا السلوك القويم مع
جيرانه لتضاعفت محبتهم له وزاد حرصهم عليه.
- مودة الجار وقضاء حوائجه:
فمن أخلاقيات الإسلام الرفيعة السؤال باستمرار عن الجار ومشاركته في أفراحه
والوقوف إلي جواره في أحزانه وأزماته، وقد قال رسول الله صلي الله عليه
وسلم: ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع وهو يعلم، ولذلك فإن القطيعة بين
الجيران والتي نشاهدها الآن جفوة وغلظة يرفضها الإسلام ويدينها.
- ستر
الجار وصيانة عرضه: فبحكم الجوار قد يطلع الجار علي بعض عيوب وأسرار جاره،
ولذلك فمن الواجب عليه أن يكون أمينا علي أسرار جاره، لا يتلصص عليه، ولا
يتتبع عوراته، وللأسف هذا السلوك لا نراه الآن بين الجيران، حيث يتلصص كثير
من الناس علي جيرانهم.
ويري الشيح منصور الرفاعي عبيد الوكيل الأسبق
لوزارة الأوقاف أن القرآن الكريم وجه النبي صلي الله عليه وسلم ومن معه من
المسلمين الي العناية بالجيران والاهتمام بأمرهم ومتابعة شأنهم وفي هذا
يقول الله نعالي (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي
القربي واليتامي والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب
وابن السبيل) وهذه الآية الكريمة جمعت كل من يستحقون الرعاية والعناية. أما
معني الجار ذي القربي فهو الجار القريب لجاره من ناحية النسب أما الجار
الجنب فهو الجار الملاصق لك في بيتك قال صلي الله عليه وسلم (والله لا يؤمن
قالها ثلاثا قال الصحابة من يا رسول الله قال من لا يؤمن جاره بوائقه).
والبوائق هي المشاكل التي تقع بين الجيران وحقوق الجار متعددة منها:
- أن تسلم عليه اذا لقيته
- أن تحفظه في أهله اذا غاب
3- أن تسأل عليه إذا مرض
- إذا رأيت عيبا فاستره
- إذا رأيت منه حسنة فاذكرها
- غض البصر عن أهل بيته
- إذا طبخت فأكثر المرق وتعهد الجيران علي نحو قاله صلي الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل
- اجعل خيرك ومعروفك يصل لجارك باستمرار
ويكمل
الشيخ محمود عاشور عضو مجمع البحوث الاسلامية الوصايا السابقة قائلا: قال
صلي الله عليه وسلم "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من بات
شبعانا وجاره جائع وهو يعلم" وقال صلي الله عليه وسلم "لا تستطل علي جارك
بالبنيان فتمنع عنه الهواء" ولقد علمنا الإسلام أن الجيران أحيانا أقرب من
الأقارب الذين يسكنون بعيدا لذا فحقوق الجار ثابتة ليسود الوئام بين الناس.