أخطاء الأم

أخطاء الأم



الكاتب الدكتور علي القائمي







يحدّد أسلوب الأم في التربية مصير الطفل في المستقبل، وتعلّل كافة سعادته وشقاوة أيامه السوداء إلى استخدامها للأسلوب الصحيح أو الخاطئ. ولا شك فإن الأم مثل سائر أفراد البشر معرّضة للخطأ وتنشأ أغلب أخطائها من الجهل وقلّة الاطلاع على أصول علم التربية، فإن تثقفت ثقافة تربوية فسوف تكون قادرة على تربية الطفل بدون مصاعب. ولكي تستطيع اجتثاث الخطأ من جذوره فمن الضروريات الأساسية والملحّة أن تقوم بتقييم الأساليب التي تتبعها في الحياة وتقويمها وإلا فستجر أذيال الندم والحسرة وثقل الشعور بالذنب إلى الأبد.

تؤدي أخطاء الأم مهما كانت العلل والأسباب إلى توجيه ضربات قاسية للطفل وتنتقل آثارها بصورة غير مباشرة إليه، وذلك نتيجةً لالتصاقه الدائم بها.

سنبحث في ما يلي أخطاء الأم مع نفسها والآخرين.

أخطاء الأم الذاتية:

سنتطرق في هذا الجزء إلى مسائل أهمها ما يلي:

عجز الأم:

تخطئ الأم خطأً كبيراً عندما تتصور بأنها لا تقدر على التربية وتبدي عجزها في ذلك بحضور الطفل. فسوف لا يمكنها أن تربّيه حينما تتحطم أبّهة شخصيتها أمامه. وإظهار عدم طاقتها على تحمل المشاكل قبال الطفل هو من أخطائها الأخرى.

وتلقي أخطاء الأم الأخرى ظلالها الثقيلة عليه مثل، تخويفه من الأب بسبب ضعفها وخوارها، وتصورها بأنها تعيسة دائماً، وإلقاء اللوم على الآخرين والشكوى من الحياة، وشعورها بالهزيمة في صراع الحياة و...الخ.

نزعة الاستعلاء عند الأم:

تتوقع الأم المصابة بنزعة الاستعلاء من أطفالها أكثر مما يقدرون عليه، وسيظهر مدى انحطاط نفسيتها عندما يؤدي مرضها ليس إلى حسد الآخرين فحسب بل سيتعدى ذلك إلى حسد أطفالها أيضاً، ومن مظاهر هذه الحالة اجتماعيا ما نراه في علاقة بعض الأمهات مع بناتهنّ السعيدات في الحياة.





الكذب والكتمان:

يعتبر إخفاء الحقائق وبالأخص ما يتعلق منها بالطفل من الأخطاء الفادحة. تخطئ الأم حين تتظاهر بالاطلاع والمعرفة وتخفي جهلها. ومن الخطأ أيضاً خلق المشاكل للطفل والاستهانة بها. فمثلاً عندما تؤكد له أن زرق الإبرة لم تؤلم لأنه سيعلم بعد زرقها وتألّمه بأن أمه قد كذبت عليه وسيفقد عندئذٍ ثقته بها. فكان يجب عليها أن تقول له بأن زرق الإبرة فيه شيء من الألم ولكنه ضروري لاستعادة صحته وسلامته وعليه أن يتحمل آلامها وتشجعه على أن يتقبل ذلك بأعصابٍ هادئة وعن قناعة تامة.

الأخطاء في التعامل مع الحياة:

لا تفقد الأم المثالية توازنها في حالتي الفقر والغنى، فلا ترتبك وتجزع عند الفقر ولا تتخبط وتسرف وتنفق ما في يديها عند الغنى. ويعتبر تجاوز تلك الحدود من الأخطاء القاتلة للأم والأسرة.

المشاجرة مع الزوج:

ترتكب الأم خطأً لا يغتفر حينما تتشاجر مع زوجها عند حضور الأطفال، فما أقبح منظر عراك الزوجين حيث يأخذ الطفل دور المتفرج على ذلك ليتعلم منهما دروس الحقد والنفاق بصورة عملية. وتخطئ الأم عندما توجه الاتهام للطفل عند الطلاق وتجعل ما قام به من الشيطنة البريئة سبباً لتركه وتقول له بأنها ستتركه وستذهب بعداً عن ذلك. وتدع الطفل يشعر بالخطيئة مدى حياته.

أخطاء التعامل مع الناس:

يعطي الرياء والنفاق درساً سيئاً في الأخلاق للطفل، فتخطئ الأم التي تتعامل مع الجيران عند حضورهم بشكل وفي غيابهم بشكل آخر، وتقوم عند حضور شخص ما يمدحه والثناء عليه بينما تعيبه وتذمه في غيابه.

عند استقبال الوليد الجديد:

يجب على الأم التي تنوي إنجاب طفل آخر أن تهيئ أذهان الأطفال لاستقباله وتوضح لهم بأن الأسرة تنتظر قادماً جديداً لا يهمها لوحدها بل يرتبط بجميع أفراد العائلة وإلا فإنها ستثير حسدهم بالأخذ إذا لمسوا التفرقة في تقسيم عواطفها عليهم وأحسوا بأنها تحبه أكثر منهم.

يتراجع بعض الأطفال وينكمشوا على أنفسهم روحياً وعقلياً عندما يشاهدون الأم تبذل محبتها وعاطفتها لأخيهم أو أختهم الأصغر منهم وتمنعها عنهم. ويقوم الطفل بمحاكاة الأصغر منه في حركاته ويتراجع في تصرفاته ليحاكي تصرفات أخيه الأصغر من أجل أن يكسب اهتمام وتوجه الأم إليه.

تظهر هذه الحالة بسبب عدم توجيه الطفل بأنّ أخاه الأصغر منه يحتاج إلى رعاية واهتمام أكثر، وعدم شرح الوضع له. ولذا نلمس أحياناً أن أخطاء الأم الجزئية تبعث على بث بذور النفاق والفرقة بين الأطفال وتسبب تخلفه العقلي وضعف نموه العاطفي.

التعامل مع الطفل:

قبول الطفل:

يعتبر عدم تقبل الطفل بسبب نوع جنسه أو ضعفه وعاهته من أخطاء الأم، فما ذنب الطفل عندما تريد الأم طفلاً جميلاً وتلده قبيحاً أو تطلب ولداً وتأتيها بنت.

يتفهم الطفل ذلك تدريجياً ويبدأ بالشعور بالذنب، والذي سيكون ليس لمصلحته أبداً ويمكن أن يؤدي إلى عواقب أشد خطورة عليه.

حب الطفل:

تعدو الصواب الأم التي تريد لطفلها أن يمتلك كل شيء. يأكل ويلبس ويستريح أفضل من الآخرين، فيلزم الطفل أن يعاني قليلاً وهذا النوع من العاطفة يضرّ بمستقبله ويجب أن يتذوّق قليلاً طعم المرارة والحرمان ويتعرف على مشاكل الحياة، ومن أخطائها الأخرى تعويد الطفل على الأحضان بشكل يمنعها من الحركة والقيام بأمور المنزل اليومية. فإذا تركت له حرية الحركة ولم يكن معتاداً على الأحضان سيشعر بالمحبة ويلمس الحنان بصورة أفضل. فيجب أن لا تبعث المحبة على فساده الأخلاقي وإعطائه الرشاوى.

وسوف لا يعتني بكلام الأم إن أدرك بأنه سيحصل على كل شيء بالبكاء، وسينشأ نشأة غير منطقية حيث يريد الحصول على احتياجاته بالقوة ويتوقع الاستجابة لمطالبيه، فلا تخرج المحبة عن حدودها ولا المبالغة في مدحه والثناء عليه وإلا سوف تبعث الروح الاتكالية وتقويها عنده، فيجب الامتناع عن ذلك وبالأخص على مرأى من الآخرين.

ملابس الطفل وزينته:

ليست حياة الطفل من أجل الملابس ضرورية لديمومة حياته وبقائه. فلذا يجب عدم التضحية أبداً بمصالح الطفل الحياتية من أجل الملابس وديباجتها وكيفية خياطتها. ولا تستعملوا ثياب الجنس الآخر لتزيين الطفل وتزويقهم فإن ذلك من سوء التربية ويعتبر خطأ فاحشاً. فليس من مصلحة الطفل ما تقوم به بعض الأمهات عندما يردن البنت ويرزقهن الله صبياً، بإكسائه ملابس البنات وإخراجه بشكلها ومخاطبتهم بالتأنيث مما يؤدي إلى نشوء وبلورة تلك الأحاسيس في داخل ويجعله يتقمص شخصية أنثوية ويفقده التوازن الروحي.

معاقبة الطفل:

يشكل تعيير الطفل بعاهاته الجسمية أو بقبح وجه وإهانته عند العاقبة لحرق قلبه خطأ فادحاً تقوم به الأم. فليس صحيحاً معاقبة الطفل بقسوة وبصورة مضاعفة بالإضافة إلى إهانته والاستهزاء به. ومن الخطأ أيضاً طرده من البيت بشكل يؤدي إلى إرعابه وتسرب الشعور بالوحدة إليه وبأنه قد فقد من يحميه، ولا يسمح علم التربية بسجن الطفل في مكان يخاف منه وبذلك تخلق الأم من حيث لا تشعر الأجواء المناسبة لإصابته بمختلف الأمراض النفسية.

إجبار الطفل:

لا تنتظروا من الطفل أكثر من قابلياته ولتكن توقعاتكم منه معقولة ومنطقية فلا تجبروه وتشجعوه على الاشتراك في سباق لا يقدر عليه لتحقيق رغبات في أنفسكم فلقد أثبتت التجارب أنّ ذلك يجعل الطفل يشعر بالضعف والهزيمة ويمكن أن يؤثر حتى في قدرته على النطق وسيؤدي إلى لكنته في الكلام.

القيام بالواجبات المدرسية:

تخطئ الأم حين تقوم هي بواجبات طفلها المدرسية حيث تكتب له وظائفه وتملي عليه موضع الإنشاء وترسم له. فلا يكبر مثل هذا الطفل أبداً علمياً وثقافياً.

إجابة أسئلة الطفل:

يعتبر من أخطاء الأمهات إعطاء الطفل أجوبة مبهمة أو ناقصة على أسئلته. وعدم ملء فراغ السؤال في ذهنه بسبب جهل الأم أو عدم الاكتراث حيث يضر ذلك بالطفل كثيراً ويجعله يبحث عن أجوبتها عند الآخرين وتكون عاملاً لسوء تربيته.

تجاهل مراحل نمو الطفل:

يجب على الأم وبالأخص التي يكون لها بنت أن تجعلها تتعلق بها بشكل تكون فيه هي الملجأ والركن الذي تأوي إليه وتفشي كل أسرارها بدون خوف أو وجل إليها. ويجب على الأم أن تخبرها بضروريات مراحل نموها وحتى المسائل المتعلقة بسن البلوغ قبل بلوغها وإلا فإن الأخطار تترصدها ويمكن أن تودي بحياتها .