عمر .. والأناجيل وضباط الاسكندر السبعة ...............................................................

عمر .. والأناجيل وضباط الاسكندر السبعة
...............................................................


مسجد عمر بن الخطاب


بقلم زهير كمال
..................

كان اول قرار اتخذه عمر بن الخطاب عند توليه خلافة المسلمين هي معالجة الآثار الناتجة عن حروب الردة وذلك بارجاع الأسرى والسبايا الى القبائل المهزومة ، واغلاق هذا الملف وتوحيد الجزيرة العربية تحت سيطرة المدينة ورؤيتها.

كان ثاني قرار اتخذه الخليفة هو عزل خالد بن الوليد، القائد العسكري الفذ ، عن قيادة الجيوش الاسلامية في الجبهة الشمالية الغربية وتعيين أبي عبيدة عامر بن الجراح مكانه.

كانت اجابة عمر لكل من سأله عن السبب : لم يكن ذلك عن عجز او خيانة.
وعندما سأله خالد قال له: ان الناس افتتنوا بك فخفت ان تفتتن بالناس.
خوف عمر يختلف عن خوفنا نحن الناس العاديين، فهذا الرجل العبقري كما وصفه الرسول يتمتع بفراسة غير عادية وله قدرة عجيبة على سبر أغوار الشخصية، معرفة نقاط قوتها ونقاط ضعفها ويتخذ قراراته تبعاً لذلك بدون ظلم او اجحاف متوخياً المصلحة العامة.

في قرار عزله لخالد انهى عمر تدخل الجيش في السياسة في الدولة الاسلامية.

ويضع لنا القانون التالي:

للجيش مهام محددة ويمنع تدخله في السياسة العمل الجماعي والمصلحة العامة تأتي قبل مصلحة الفرد مهما كان رائعاً ومحبوباً. واتخاذ الاحتياطات اللازمة من الذين يفكرون بالمجد والشهرة على حساب المجموع هي ضرورة لسير الدولة بسلاسة.

ومما يؤسف له ان كثيراً من المحللين والذين يوجهون الرأي العام يدخلون في متاهات الدفاع عن عمر من باب عدم غيرته من خالد او قولهم ان عزله كان الخطأ الوحيد له وغير ذلك من التبسيط والمباشرة ، ويدورون حول الموضوع متناسين او مهملين هذا الرد البسيط المفحم من عمر والذي يتعلق بادارة مثالية للدولة الاسلامية . وبهذا فانهم يقللون من قيمة رجل عظيم وافكاره الرائدة في الادارة.

في نفس مستوى قرار عزل خالد اتخذ عمر قراراً استراتيجياً اخر في بداية حكمه ولعله من أهم وأخطر قراراته.

كان القرار هو منع الصحابة من السفر الى خارج المدينة أو مكة إلاّ بمهمة محددة وتصريح من الخليفة نفسه وينطبق المنع على استقرارهم في الاقاليم الجديدة ناهيك عن تسلمهم لأي سلطة فيها . وقد استثني من هذا المنع عدد بسيط جداً منهم سعد بن أبي وقاص الذي قاد جيش القادسية وتولى الكوفة في مرحلة ما وعتبة بن غزوان وقد تولى البصرة لمدة قصيرة.

أليس غريباً عدم استقرار الصحابة في الولايات الجديدة أيام عمر؟ فالصحراء ومدنها طاردة للسكان فلماذا منعوا من السفر والاقامة في أماكن أكثر رفقاً، مناخاً وخضرة وماءً، وبقوا تحت عين عمر ورقابته.
لعمر ومعرفته بطبائع البشر فان القانون الأساسي هو :
إن السلطة مُفسدة

وعندما يقرر امراً فانه لمصلحة الدين والدولة وينظر دائماً الى المستقبل ويريد أن يضع أسساً دائمة يسير عليها خلفاءه من بعده ولطالما قال في مناسبات عديدة:

لأطوقنكم به طوق الحمامة (وللأسف لم يتم تطبيق قوانين عمر في الدولة الاسلامية وهذا يرجع الى ان تطور المجتمع نفسه لم يكن بنفس درجة تقدمية القوانين المستوحاة من الدين.)

تحليل البعد الديني في قرار عمر:

أخذ عمر العبرة من الدين المسيحي وتعدد الاناجيل فكل حواري روى ما سمعه من المسيح وتعددت الروايات (ولسنا هنا بصدد اختلافها او تكاملها).
كل من شهد الرسول حفظ عنه القرآن. ماذا لو استقر بعض الصحابة في احدى المناطق الجديدة في الدولة وبمرور الزمن وتباعد المسافات بين هذه المناطق نظرألتخلف وسائل المواصلات فان احتمال رواية القرآن باختلاف ولو كان بسيطاً وارد وهكذا ستتكرر مشكلة الاناجيل. أي من الممكن ان نقرأ قرآن طلحة او قرآن أبي ذر او قرآن بن عوف وهذا على سبيل المثال لا الحصر. صحيح ان كل القرآن قد جمع ايام أبي بكر ووضع في بيت حفصة أم المؤمنين. ولكن من يدري ما يخبئه الزمن. وقد يقول قائل ان ظروف الحواريين الصعبة وتفرقهم يختلف عن وجود سلطة اسلامية. ولكن بسبب وجودها يجعل لخليفة يستشف المستقبل القدرة على إتخاذ قرار المنع والإحتياط من إختلاف المسلمين فيما بينهم ووصلت درجة حيطته أنه لم يجمع حديث الرسول فهو يخشى إختلاطه بكلام الله.

وهنا لا بد من تسجيل إسهام عثمان المميز في جمع مصحف واحد وتوزيع نسخة منه على كل ولاية وتمزيق أو حرق كل المتفرقات الأخرى وهكذا حلت المشكلة الى الأبد حيث نجد الآن أن مصحف عثمان المكتوب قبل أربعة عشر قرناً لم يطراً عليه اي تعديل او تغيير.

تحليل البعد الدنيوي من قرار عمر:
ينطبق سبب عزل خالد على كل الصحابة ومسألة توليهم لمناصب هامة بعيداً عن عين عمر. هل يمكن لأحد الصحابة ان يستقل عن المركز اذا لم يعجبه قرار ما، سواء في عهد عمر او بعده خاصة وأن الناس ستعجب بالصحابي الذي شهد الرسول وهو يتساوى مع باقي الصحابة في القيمة والمعرفة وهل يمكن ان يصبح الاعجاب متبادلاً؟

لا أحد يستطيع الجزم إن كان عمر وهو المثقف قد قرأ او إستحضر ما فعله ضباط الإسكندر بعد وفاته حيث قسموا الأمبراطورية فيما بينهم واستقل كل منهم في الولاية التي كان يحكمها. رجاحة العقل وعمق التفكير تجعله يحتاط لكل شيء.

وجود هذا العدد الكبير من فطاحل الإسلام في مكان واحد لم يكن يخيف عمر، فهو لا يفكر في منصبه ابداً فقد منحه الله قوة في الشخصية غير عادية، في محادثة طريفة بين اثنين من ولاته وهما من كبار الدهاة في التاريخ الاسلامي قال المغيرة بن شعبة واليه على الكوفة لعمروا بن العاص واليه على مصر: أأنت كنت تفعل او توهم عمر شيئاً فيلقنه عنك..... والله ما رأيت عمر مستخلياً باحد الاّ رحمته كائناً من كان ذلك الرجل . كان عمر والله أعقل من ان يَخدع ، وأفضل من ان يُخدع.

استفاد عمر من وجود الصحابة معه فأشركهم في مسؤوليته وكان ديمقراطياً الى آخر الحدود. لم يشعر احد منهم انه مهمًش او سجين في المدينة. بل شعر الجميع ان قيمتهم محفوظة، ولكن في ادارة الدولة ليس هناك مجال للعواطف والدولة مسخرة لمصلحة الاغلبية.

ضبط الامور في القمة مشكلة أزلية، وقد حلّها عمر بطريقة حضارية. فكم من ملك في التاريخ قتل اخوته حتى لا ينافسوه في السلطة، والاسوأ أن ذلك حصل أيام العثمانيين المسلمين.

أما في العصر الحالي وفي الديمقراطيات الغربية فان رئيس الولايات المتحدة الذكي باراك اوباما عين منافسته الرئيسية في الانتخابات التمهيدية وزيرة للخارجية وتكاد لا تسمع صوتها الان، وبهذا حجًمها وهي التي كانت تفاخر دائماً بان 18 مليون امريكي يؤيدونها وهكذا ضمن ترشحه عن حزبه سنة 2012 بدون متاعب.

هل لفت انتباهكم انه في كل الدول العربية وبلا استثناء في الوقت الحاضر لا يوجد رجل ثاني يستطيع تولي السلطة في حالة وفاة الزعيم الملهم، لندرك كم تبلغ الانانية وحب الذات وقصور النظر في حاكمنا الديكتاتوري.